ما هي المحفظة الرقمية بمفهومها الحقيقي؟

محفظة الإمارات الرقمية

لقد شاع استخدام مصطلح “المحفظة الرقمية” في لغتنا اليوم، دون أن يوجد تعريف واضح ودقيق لهذا المفهوم الجديد. فإذا كان الهدف منها هو الاستغناء عن المحفظة الفعلية، فكم عدد المحافظ الرقمية التي تمكنت من تحقيق هذه الغاية فعلاً؟ وما هو رأي الناس فيها؟ وماذا عن أولئك الذين يحملون الأموال النقدية في جيوبهم (وأنا منهم) ويستخدمون المحفظة التقليدية لحمل بطاقات الائتمان والهوية وغيرها، الخاصة بهم؟

رغم جميع هذه التساؤلات، لاقى مفهوم المحفظة الرقمية رواجاً كبيراً في الوقت الراهن، ومن المقرر أيضاً عقد مؤتمر حول هذا الموضوع في دبي خلال شهر نوفمبر.

وفي دراسة استقصائية أجريناها بالتعاون مع شركة YouGov في وقت سابق من هذا العام لاختبار اسم علامتنا التجارية الجديدة “كليْب” (Klip)، التي أطلقناها في معرض جيتكس هذا العام، قمنا بدراسة عادات الإنفاق المحلية، وعلى وجه التحديد طرق استخدام الأموال النقدية، من أجل تحديد مدى إقبال الناس على استخدام المحفظة الرقمية (وخاصة من قبل الأشخاص الذين ليس أمامهم سوى عدد قليل من البدائل، إن وجدت من الأساس) ومن ثم خفض استخدام الأموال النقدية. وقد كانت النتائج واعدة بدرجة كبيرة.

ونظراً لأن الغرض من إطلاق محفظة “كليْب” هو الاستغناء عن الأموال النقدية، استهدفنا خلال هذه الدراسة شريحة واسعة من سكان دولة الإمارات، ومنهم على وجه الخصوص الفئات الأكثر استخداماً للنقود في حياتهم اليومية، وكان ربع المشمولين في الدراسة من الفئات التي لا تمتلك حسابات مصرفية، بسبب عدم استيفائهم لشروط ومتطلبات فتح الحسابات البنكية، علماً بأن غالبية المشاركين (أكثر من الثلثين) كانوا من الوافدين الآسيويين والعرب.

وقد توصلنا إلى عدد من النتائج الرائعة، والمثيرة للدهشة كذلك، والتي كشفت لنا عن مواضع استخدام الأموال النقدية، بدلاً من البطاقات. كما ساعدتنا على تحديد مقومات نجاح المحفظة الرقمية عند إطلاقها، بحيث تصبح البديل الفعلي للنقود.

تساعدنا هذه المعلومات على ضمان تحقيق النتائج المرجوة من حيث التوقف عن استخدام النقود في معظم الحالات عندما يتم إطلاق محفظة “كليْب” مطلع العام المقبل، وهو ما ترغب المصارف التي تمتلك “محفظة الإمارات الرقمية”، الشركة التي تدير محفظة “كليْب”، في أن تراه واقعاً ملموساً، لأن ذلك سيؤدي بدوره إلى خفض التكاليف المرتبطة بإدارة النقود، ويُمكِّن من حفظها في النظام بما يتيح الاستفادة منها بدلاً من كونها خاملة خارج الاقتصاد النشط.

إن أكثر الفئات استفادة من محفظة “كليْب” هي شريحة غير المتعاملين مع البنوك ممن لا يستطيعون الحصول على الخدمات المصرفية. ومع هذا، يستخدم الناس الذين يملكون حسابات مصرفية الأموال النقدية أكثر من بطاقات الخصم والائتمان، وكذلك الشيكات. ومن النتائج المثيرة للاهتمام من هذه الدراسة اختفاء التعامل بالشيكات تقريباً – والتي سبق وأن كانت طريقة الدفع غير النقدي الأكثر استخداماً في دولة الإمارات – إذ لم يُفِد سوى 5٪ فقط من المشمولين في الدراسة بأنهم لا يزالون يستخدمونها.

ومن النتائج الأخرى المثيرة للاهتمام استخدام بطاقات الائتمان بنسبة أكبر من 50٪ تقريباً من الحسابات الجارية، ويتوافق ذلك مع التقارير الأخيرة التي تشير إلى ارتفاع الديون الشخصية في دولة الإمارات.

ومع ذلك، ارتكز محور الدراسة على تحديد أنماط استخدام الأموال النقدية وقنوات إنفاقها.

وتبين من خلال الدراسة أن قنوات إنفاق الأموال النقدية تختلف بين المجموعتين. فبالنسبة لشريحة غير المتعاملين مع البنوك، تتصدر محلات البقالة قائمة قنوات إنفاق الأوراق والعملات النقدية – بهامش بسيط – تليها الحوالات المالية والسفر والإيجار، مع العلم بأن محلات البقالة تسبق الحوالات المالية من حيث مرات إنفاق الأموال وليس من حيث حجم الإنفاق. أما بالنسبة لشريحة المتعاملين مع البنوك، تتصدر القائمة نفقات النقل والموصلات القائمة جنباً إلى جنب مع الأموال التي يتم إنفاقها أثناء السفر في الخارج. كما تعد الحوالات المالية، ومحلات البقالة والإيجار فئات رئيسية أخرى لاستخدام أموالهم النقدية، ولكن بنسب أقل بكثير مقارنة بشريحة غير المتعاملين مع البنوك.

وبصفة عامة، نستخدم النقود في المحلات الصغيرة والأكشاك، ومحطات البنزين وغسيل السيارات، وسيارات الأجرة والسفر إلى الخارج. وكانت إحدى المفاجآت استخدام النقود لدفع قيمة السلع التي يتم طلبها عبر الإنترنت.

وبطبيعة الحال، أردنا أيضاً أن نعلم هل سوف يستخدم هؤلاء الناس محفظة رقمية مثل “كليْب” كبديل عن النقود؟ كانت الإجابة بـ نعم صريحة من شريحة غير المتعاملين مع البنوك (أربعة من أصل خمسة). إذ لماذا لا يريدون حلاً يوفر عليهم عناء الانتظار في صفوف طويلة للحصول على النقود ثم صفوف أخرى لإرسال جزء منها إلى أوطانهم في ظل عدم وجود مكان آمن لحفظ ما تبقى لديهم منها لباقي الشهر؟ من ناحية أخرى، كانت الإجابة بنعم مشروطة من شريحة المتعاملين مع البنوك (ثلاثة من أصل خمسة)، نظراً لأن الذين تُتاح أمامهم بالفعل مجموعة كاملة من خيارات الدفع غير النقدية من البنوك لن يقبلوا بالانتقال فوراً إلى نظام لا يمنحهم سوى خيار آخر، إلا إذا كان ذلك الخيار يمنحهم شيئاً جديداً وخاصاً بالفعل.

وقد جاءت كافة هذه النتائج داعمة ومؤكدة لاستراتيجيتنا وتطلعاتنا فيما يتعلق بمحفظة “كليْب”، إذ تم تصميم هذه المحفظة وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، بالاستفادة من تجارب البلدان الأخرى حيث أحرزت خيارات الدفع التي توصف بأنها “محافظ رقمية” نجاحاً ملحوظاً في تحقيق شيءٍ لم يكن موجوداً بالفعل. ففي كينيا، على سبيل المثال، يتم استخدام محفظة M-PESA (والتي تم إطلاقها ابتداءً لأغراض التمويل الأصغر) من أجل الحفظ الآمن للأموال أثناء السفر أو ليلاً أكثر من استخدامها لأغراض سداد قيمة السلع والخدمات (على الرغم من أن تبني الحكومة للمنصة من أجل تحصيل الرسوم الحكومية ساعد كثيراً على نجاحها). وفي الهند، تحولت PayTM من منصة لتعبئة رصيد شبكات الهواتف المحمولة إلى منصة تسوق شاملة عبر الإنترنت، كما اتبعت حلول الدفع في الصين والولايات المتحدة مساراً مماثلاً. وهنا تبرز السمة المميزة لمحفظة “كليْب” في دولة الإمارات مقارنة بالمحافظ الرقمية الأخرى، إذ لم يسبق أن كان هناك نية في أي مكان آخر بأن تستغني هذه الحلول عن الأموال النقدية في المجتمع.

والأهم من ذلك، لم يتوفر في أي مكان القوة الدافعة لها من القطاع المالي نفسه، بمعنى مشاركة أغلبية المصارف الوطنية، مما يجعلها محفظة رقمية حقيقية بكل معنى الكلمة.

يشغل ماكي فيكينيز منصب المدير العام لشركة “محفظة الإمارات الرقمية”، التي تمتلك وتدير محفظة “كليْب”